بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 10 نوفمبر 2017

بين العلويين والشيعه
مراجع الشيعة تزدري النصيرية! ينتسب النصيريون إلى محمد بن نصير النميري (مولى لهم) (ت 260هـ)، واسم النصيريين هو الاسم الرسمي المعتمد للعلويين في كل المصادر الشيعية منذ أن ظهرت هذه الفرقة أواسط القرن الثالث الهجري.
ومنذ أن ظهرت هذه الفرقة وشاعت كاحدى فرق الغلاة في العراق أولًا، ثم الشام، لم ينظر الشيعة الاثني عشرية إليهم على أنهم من الشيعة، فلم يسجل أي مصدر من كتب الرجال والتاريخ الشيعية القديمة، ما يوحي بوجود ودٍ بين الطرفين، أو اعتراف من جانب الشيعة بالفرقة النصيرية على أنها من فرق الشيعة، ويتضح ذلك من خلال ما كتبه الشيعة عن (محمد بن نصير )رأس الفرقة النصيرية (العلوية)، فقد أجمع كل من الطوسي والنوبختي وابن أبي الحديد وابن داوود الحلي والخاقاني والكشي وابن شهرآشوب... وآخرون على أن ابن نصير كذاب غالي ملحد ادعى النبوة وأباح المحارم... ولم يخرجوا جميعهم عن القول التالي وإن اختلفت العبارة فيما بينهم:
«وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري وذلك أنه ادعى أنه نبي ورسول وأن علي بن محمد أرسله وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية ويقول بإباحة المحارم ويحلل نكاح الرجال بعضهم بعضًا في أدبارهم و يقول: إنه من الفاعل والمفعول به أحد الشهوات والطيبات وأن الله لم يحرم شيئًا من ذلك... وذُكر أنه رأى بعض الناس محمد بن نصير عيانًا وغلام له على ظهره فرآه على ذلك، فقال: إن هذا من اللَّذات وهو من التواضع لله و ترك التجبر وافترق الناس فيه بعده فرقًا» 

مراجع النصيرية: كربلاء يوم فرح! 
وبالمقابل فإن أعلام العلويين بعد ابن نصير بادلوا الشيعة الاثني عشرية نفس الموقف ونفس الكُره واعتبروهم على ضلالة وتقصير في الاعتقاد وكثيرًا ما يشيرون إليهم باسم (المقصرة) ولربما لعنوهم وشتموهم كما نلاحظ في أشعار الخصيبي (260-246هـ) الذي يشبههم بالحيوانات كقوله:
فعُصبَة منهم مُقصرةٌ تاهوا عن الحق كالبراذين 

ويمدح الغلاة (النصيريين) و يلعن المقصرة (الشيعة) فيقول:
عن الغلو فديت القائلين به ولعنة الله تخزي من يقصرنا 

حتى أن الخصيبي يسخر من طقوس اللطم والنواح التي يؤديها الشيعة يوم عاشوراء في ذكرى مقتل الحسين بن علي،بقوله:
وباكي يبكي على ربه لست بحمد الله من حزبه
بكى على المقتول في كربلاء لا خفف الرحمن من كربه 

أضف أن العلويين يعتبرون يوم كربلاء وقتل الحسين يوم فرح وسرور لا يوم ترح وبكاء كما يذكر ذلك المكزون السنجاري بقوله:
وليوم عاشور فعندي والذي بسط البسيطة يوم عيدي والهنا 

وبالمجمل لم يعتبر الشيعة العلويين منهم، وكذلك لم يعتبر العلويون أنهم من الشيعة، وحتى بالاعتماد على المنهج العلمي البحت؛ فإن أصول العقيدة العلوية (السِّرية) ليست هي أصول العقيدة الاثني عشرية. وإن كانت كتب التاريخ ذكرت عن علاقة جمعت الخصيبي شيخ الطائفة النصيرية، بسيف الدولة الحمداني الذي كان اثنا عشريا؛ فان الخصيبي قدم نفسه لسيف الدولة على أنه شيعي اثنا عشري بدليل أن كل المؤلفات التي أهداها لسيف الدولة كانت في باب التشيع الاثني عشري لا الباطني النصيري. 
وما يقال عن علاقة الخصيبي بسيف الدولة يقال عن علاقته المفترضة بعز الدولة وعضد الدولة وعموم البويهيين الذين كانوا شيعة اثنا عشريين.

علاقات تاريخية مقطوعة وصلها البعث! بدأت الروابط بين العلويين والشيعة تنقطع مع هجرة النصيريين من العراق إلى الشام في نهاية القرن الرابع الهجري /العاشر الميلادي، وخلال الفترة بين القرن الحادي عشر ونهاية القرن التاسع عشر الميلادي لم يكن من علاقات ربطت العلويين الذين انعزلوا في جبال الساحل الشامي بالشيعة الذين تركزوا في العراق وإيران وأصبحوا على هامش التاريخ، بعد أن غاب إمامهم المفترض في سرداب سامراء.
إن البعث العلوي في بلاد الشام، والتمهيد والتمكين لهم في العصر الحديث لا ينفصل البتة عن البعث الشيعي في إيران والعراق ولبنان، ثم ربط كلا الطرفين ببعضهما تحقيقا لسياسة الدول الاوربية الاستعمارية في إنهاء الوحدة السياسية للدولة العثمانية ومن ثم تقسيم التركة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا في سايكس بيكو، وقيام كل منهما بإيجاد ركائز لاستعمار المشرق العربي اعتمادًا على إضعاف الغالبية المسلمة، والتمكين للأقليات الطائفية لتكون الوريث والخليفة لهذا الاستعمار ينوب عنه في حكم المنطقة. 
ولم تكن فكرة استعمال الأقليات فكرة طارئة في العقلية السياسية الأوربية ذلك أن مرحلة الحروب الصليبية في القرون الوسطى كانت ماثلة تمامًا في عقليتهم يدل على ذلك ما قاله غورو عند قبر صلاح الدين: «ها قد جئتك يا صلاح الدين منتصرًا» وما قاله اللنبي بعد أخذ الإنكليز القدس من العثمانيين: "الآن فقط انتهت الحروب الصليبية".
فمن خلال تاريخ الحروب الصليبية نعلم أن بلاد الشام عندما أخذها الصليبيونن أخذوها من الفاطميين وهم من الأقليات الدينية الباطنية، وطوال فترة وجود الفاطميين بمصر كانت أوضاع الصليبيين على أحسن ما يكون، ولم يواجهوا مقاومة تذكر، ولم تظهر حركة التحرير إلا عندما تم إسقاط هذه الدولة-الطائفة، وظهرت دولة جديدة تنتمي للغالبية المسلمة التي تعيش في المنطقة.
وبما أن المستعمر الحديث كان على يقين من أن بقاءه في المنطقة هو مسألة وقت، كما كان بقاء الصليبيين مسألة وقت، فقد خططوا منذ وقت مبكر إلا يقعوا فيما وقع به صليبيو القرون الوسطى، لذلك كانت فكرة اعتماد الأقليات الدينية الموجودة في المنطقة هي خير وسيلة لبقاء النفوذ والاحتلال بشكل غير مباشر... سيما أن هذه الأقليات قد عُرف عنها منذ قرون أن لا مشكلة جوهرية بينها وبين أوربا، بل المصالح المشتركة هي أكبر وأكثر كما أثبت التاريخ ذلك، كمثال: الفاطمييون والصليبييون. الشيعة الصفويون ودورهم في فك الحصار العثماني عن فيينا. الدروز والحلف الذي ربط فخر الدين المعني بإيطاليا ضد الدولة العثمانية. ومحمد علي باشاالبكتاشي في مصر وعلاقاته مع فرنسا وانكلترا وتآمره على الدولة العثمانية ومحاولة إسقاطها.

الاهتمام الفرنسي بربط العلويين بالشيعة! لذا فقد بدأت الاهتمامات الفرنسية بالعلويين في الشام من قبل إتفاقية سايكس بيكو، وتمثل ذلك في الدراسات الجغرافية والاجتماعية والدينية لمنطقة جبال الساحل السوري منذ نهاية القرن التاسع عشر كتلك التي وضعها الضابط الفرنسي كاهون، أو التي وضعها رينه دوسو... وقد دخلت القوات الفرنسية منطقة الساحل منذ عام 1919 أي قبل دخول غورو للشام بنحو سنة.
لقد كانت الخطة الفرنسية في بعث العلويين وتهيئتهم ليكونوا ذراعها في سوريا بعد الاحتلال، تقوم على إعادة إنتاج العلويين وفك عزلتهم وتلميعهم وتقديمهم من خلال ربطهم بالشيعة، من جهة وتأمين القبول لهم بين أهل السنة من جهة أخرى. وقد مر تاريخ العلاقات بين العلويين والشيعة منذ مطلع القرن العشرين وحتى يومنا هذا في أربع مراحل: 

مرحلة فك العزلة:
وبدأت قبيل الاحتلال الفرنسي، وظهرت جلية مع الاحتلال الفرنسي بمحاولة الفرنسيين إبراز الشخصية العلوية وقطع صلتها بماضيها في أذهان المعاصرين من غير العلويين فاستحدثت لهم اسم (العلويين) لربطهم بشخص علي بن أبي طالب الذي له الاحترام والتقدير عند السنة والشيعة ليكون الاسم بديلًا عن اسم (النصيريين) المشتق من محمد بن نصير المكَفَّر عند الشيعة والسنة، ثم أوجدت لهم دويلة في منطقة الساحل وأطلقت عليها اسم (دولة العلويين) ثم دفعت أحد موظفيها العلويين (محمد غالب الطويل) لينتج أول كتاب عن تاريخ النصيريين بالاسم الجديد وهو (تاريخ العلويين)، 
أما الجهد الأكبر والأبعد تأثيرًا فقد قام به أحد الشيوخ النصيريين وهو (سليمان الأحمد) الذي وقع على كاهله عبء التسويق للعلويين في الأوساط الشيعية على أنهم شيعة اثنا عشريين منذ مطلع القرن العشرين لذا نستطيع أن نقرر أن سليمان الأحمد هو رائد التحالف الشيعي-العلوي الذي وصل إلى ما وصل إليه اليوم. 
وسليمان الأحمد (1866-1942م) من قرية الجبيلية (قضاء جبلة - محافظة اللاذقية) عاش في اللاذقية وزار كيليكيا، وبيروت صيدا والنجف وأقام في بعضها. درس الفقه الجعفري خاصة، والنحو، واشتغل بالتعليم في قرية ديفة والسلاطة. وعُين رئيسًا لمحكمة الاستئناف في عهد الملك فيصل، ثم أصبح مع حزب الكتلة ،وانتُخب عضوًا في المجمع العلمي العربي في دمشق. أنجب أربعة من الأولاد: محمد (بدوي الجبل)، وأحمد، وعلي، وفاطمة 
لم يكن سليمان الأحمد مجرد سياسي وأديب وفقيه جعفري ... بل كان عند قومه أحد أعظم شيوخ الدين العلويين في العصر الحديث ويطلقون عليه لقب "الشيخ الأمجد" وكان هو أول من بدأ في إنشاء العلاقات مع الشيعة والتسويق للعلويين بين الشيعة على أنهم اثنا عشريين وليسوا طائفة باطنية لذلك درس الفقه الجعفري وانشأ علاقات وثيقة مع معاصريه من مراجع الشيعة يدل عليها تلك القاءات والزيارات والتفاهمات التي حدثت بينه وبينهم، وقد ذكر عبد الرحمن الخير (1903-1982) جانبًا منها فقال: 
"في عام 1332/1914م قام العلامتان سليمان الأحمد وإبراهيم عبد اللطيف مرهج بزيارة إخوانهما من علماء المسلمين الجعفريين في لبنان ودامت المحادثات أيام عدة أسفرت عن تعارف مذهبي وتفاهم أخوي ومودة صادقة".
لقد قام نشاط سليمان الأحمد على التقية فكان يظهر غير ما يبطن، فهو نصيري العقيدة بلا شك لكنه حاول استغلال الظروف لمصلحة قومه ليغير مواقف أهل السنة والشيعة منهم ويؤمن لهم قبولًا في تلك الأوساط على طريق الوصول إلى حكم سوريا الذي أصبح واقعا فيما بعد، ولم يكن حافظ الأسد هو أول من أوجد الحلف الإستراتيجي بين العلويين والشيعة بل كان الأسد من منجزات هذا التحالف الذي عمل عليه سليمان الأحمد، واعتمدته فرنسا منذ احتلال سوريا وإنشاء الدولة العلوية. ومما يؤكد أن سليمان الأحمد كان نصيري العقيدة - محكومًا بعقائد الأجداد والآباء- وأحد شيوخها ولم يكن ذلك الشيعي-الوطني كما أشاعوا عنه هو:

1. إن كان سليمان الأحمد شيعيًا جعفريًا فلماذا لم يبذل جهده في تحويل بني قومه إلى الجعفرية على وجه الحقيقة لا الدعاية والإعلان ؟ فلو كان سليمان الأحمد مقتنعًا بما كان يروج له لعمل عليه و لرأينا ثماره واقعًا في حين أن الواقع يقول إن العلويين قبل سليمان الأحمد هم نفسهم بعد سليمان الأحمد.

2. في مراسلات جرت بين محمد كرد علي والشيخ سليمان الأحمد، استفسر كرد علي من سليمان الأحمد عن عقائد النصيريين وأحوالهم. فأرسل له سليمان الأحمد رسالة فيهاالجواب ،قال فيها: 
«لا فرق بينهم وبين الإمامية إلا ما أوجبته السياسة والبيئة وعادات العشائر التي توارثها سكان الشام... إنما لهم طريقة كالنقشبندية والرفاعية وغيرهما من طرق الصوفية بالنسبة إلى أهل السنة. وهذا مصدر التقولات الباطلة عليهم... " والحقيقة أن سليمان الأحمد استعمل التقية في الرد وانسل من معتقده وبرَّأ نفسه وقومه من العقيدة النصيرية بينما في مراسلات سليمان الأحمد مع معاصره الشيخ النصيري صالح ناصر الحكيم فقد أقر بعقيدته النصيرية وتأليهه لعلي بن أبي طالب، ففي إحدى رسائله لصالح الحكيم قال له: "إن اصل عقيدة هذا المذهب و قاعدة أمره أن الصورة المرئية هي الغاية الكلية الظاهرة بالسبع قباب من هابيل إلى أمير المؤمنين هي هي الذات المعبود..." ثم يختم سليمان الأحمد رسالته لصالح الحكيم بأبيات من الشعر يختصر فيها معتقده كله بقوله:
أشهد أن لا إله إلا علي الأنزع البطين
ولا حجاب لديه إلا محمد الصادق الأمين
ولا سبيل إليه إلا سلمان باب الهدى المبين 
وإضافة لما سبق فإن سليمان الأحمد هو صاحب الشرح الكبير لديوان الشاعر النصيري الكبير الحسن بن مكزون السنجاري، وكلا الديوان والشرح يدوران في مواضيعهما حول العقيدة النصيرية وأصولها وجزئياتها.

3. ذكروا أن سليمان الأحمد كان من المعادين للاستعمار الفرنسي و أعوانه و كان من المؤيدين للكتلة الوطنية. وإحدى الحقائق التاريخية هي أن العريضة التي رفعها أعيان الطائفة العلوية لحكومة اليهودي ليون بلوم و التي تطالب حكومة فرنسا بعدم الانسحاب من سوريا و تتباكى على يهود فلسطين ...كان من الموقعين عليها -إلى جانب سليمان الأسد جد حافظ- أحد أبناء سليمان الأحمد الشاعر المعروف بدوي الجبل باسم محمد سليمان الأحمد ،و لا ندري كيف يكون سليمان الأحمد معاديًا للفرنسيين و لإعوانهم و في نفس الوقت يكون ابنه من الغارقين في هذه العمالة للمستعمر و المطالبين ببقائه ،إلا إذا كان يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره. 

في الوقت الذي كان سليمان الأحمد يعمل على التقارب العلوي-الشيعي، ظهر في الأوساط الشيعية العربية شخصيتان كانتا سلفًا على علاقة وتواصل مع سليمان الأحمد، هما: محسن الأمين العاملي الذي هاجر من جبل عامل في لبنان ليقيم في دمشق في حي اليهود حيث الأقلية الشيعية هناك ليعمل على جمعها وتوعيتها، والشخصية الثانية هي عبد الحسين شرف الدين، الذي هاجر من العراق إلى جبل عامل في لبنان في نفس وقت هجرة الأمين ليعمل على جمع الشيعة في لبنان وتوعيتهم هناك، وبشكل أكيد كان هناك مراسلات بين الأطراف الثلاثة تناولت أمورًا شخصية و علمية 
وإن كان سليمان الأحمد هو رائد النهضة العلوية الحديثة فإن محسن الأمين هو رائد البعث الشيعي في سوريا، ولا يمكن الكلام عن تاريخ الشيعة في لبنان ونهضتهم المعاصرة دون الإقرار بأن عبد الحسين شرف الدين هو باعثها. ولم يكن ظهور هذا الثلاثي: الأحمد-الأمين-شرف الدين في وقت واحد وقيام الصلات فيما بينهم محض صدفة أبدًا
وقد مات الثلاثي: الأحمد-الأمين-شرف الدين في فترات متقاربة
عندما مات سليمان الأحمد سنة 1942م، مات وقد أوجد التواصل بين النصيرية والشيعة على مستوى النخب الفكرية وأقنع معاصريه من مراجع الشيعة كالأمين وشرف الدين ومحمد حسين كاشف الغطاء أنه وقومه جعفريون اثنا عشريون، وحصل من عبد الحسين شرف الدين على إجازة بالرواية عنه. 
أما جهود محسن الأمين الذي توفي سنة 1952م فقد أثمرت في ربط أكبر أقلية دينية في سوريا (العلويون) مع أصغر أقلية دينية (الشيعة) ونتج عن ذلك أن أصبح للشيعة وزير في حكومة البعث الطائفي عام 1966 . وفيما يخص النصيرية فقد كان أول من برئ ابن نصير والخصيبي والنصيرية من تهم الغلو التي وصمتهم بها كل المصادر الشيعية، وألحقهم بالشيعة في موسوعته المعروفة باسم "أعيان الشيعة". ولاحقًا مع مطلع السبعينيات سيظهر رجل دين شيعي عراقي هو حسن مهدي الشيرازي سينتقل من العراق إلى سوريا ليتابع ما بدأه الأمين حيث سيحيي مزار السيدة زينب وينشيء أول حوزة شيعية (الحوزة الزينبية) في سوريا
أما عبد الحسين شرف الدين فقد بذر في لبنان بذور الصحوة الشيعية وعندما حانت وفاته سنة 1957هـ أوصى أن يخلفه إيراني هو موسى الصدر الذي استدعي من إيران على عجل وأعطي الجنسية اللبنانية بمرسوم رئاسي بشكل مريب خلافًا للأصول المتبعة في لبنان من حظر التجنيس إلا على الموارنة 

مرحلة تحقيق النسبة للتشيعمع بداية الستينيات من القرن الماضي حدثت تغيرات سياسية متزامنة في المنطقة، فقد تمرد الخميني في إيران على الشاه مفتتحًا عصر الثورة التي ستسقط الشاه وتأتي بالملالي الشيعي نهاية السبعينيات. وحدث الانقلاب الطائفي في سوريا 1963م الذي أوصل العلويين إلى الحكم بشخص جديد-عمران-ماخوس في عباءة حزب البعث. وقبله بسنتين حدث انقلاب العراق الذي أسقط الملكية في الوقت الذي بدأ فيه محمد باقر الصدر عمله في بعث الشيعة في العراق، وفي لبنان بدأ نجم موسى الصدر بالبزوغ خلفًا لشرف الدين ومن وراءه الشيعة، وما كان سليمان الأحمد قد أسسه من علاقات مع معاصريه الشيعة استمر به من جاء بعده مثل عبد اللطيف مرهج وعبد الرحمن الخير وعلي عزيز إيراهيم... من جانب العلويين ومعاصريهم من الشيعة: موسى الصدر، ومحسن الحكيم، وحسن مهدي الشيرازي، ومحمد حسين فضل الله... ، وقد ذكر الشيخ العلوي علي عزيز إبراهيم جانبًا من تلك العلاقات والمراسلات في تلك الفترة والتي تضمنت في بعضها معونات مالية وبعضها توجيهات وإرشادات من مراجع شيعيية عراقية ولبنانية على راسها موسى الصدر لشيوخ الطائفة النصيرية، وبعضها مديح وثناء 
وقد نتج عن تلك اللقاءات والزيارات التي بدأ بها سليمان الأحمد وسار على خطاها من جاء بعده تلك الفتاوى الشيعية التي اعتبرت العلويين من الشيعة الاثني عشرية بعد أن كانت كل المصار الشيعية تعتبرهم فرقة خارجة عن التشيع وعن الإسلام. ومن أمثلة هذه الفتاوى تلك التي أطلقها المرجع الشيعي حسن مهدي الشيرازي عام 1972م . و ما أفتى به موسى الصدر عام 1973م باعتباره العلويين من المسلمين وأنهم طائفة من الشيعة الاثني عشرية ليعطي المشروعية وقتها لحكم حافظ الأسد العلوي في سوريا بجعله مسلمًا شيعيًا كما ينص الدستور السوري وقتها من أن يكون دين رئيس الدولة هو الإسلام. ولم تأت الفتاوى الشيعية سالفة الذكر إلا بعد أن أصدر مشايخ الطائفة العلوية عام 1972م بيانًا أجمعوا فيه على أنهم طائفة شيعية تؤمن بما يؤمن به الاثني عشرية وتتعبد الله على مذهب جعفر الصادق 
وبفتوى الصدر وغيره من ملالي الشيعة مطلع السبعينيات زالت تلك الجفوة التي امتدت لقرون بين الاثني عشرية والنصيرية وحقق العلويون النسبة للشيعة، وأقول النسبة لا الانتساب إليهم، ذلك أنه لم يكن هدف العلويين التحول من النصيرية إلى الاثني عشرية وانما أن يُنسَبوا إلى الشيعة ليحققوا المشروعية لطائفتهم ويربطوا طائفتهم بأصل ديني معترف به.

مرحلة التشارك والتعاضداُفتتحت هذه المرحلة منذ مطلع السبعينيات حيث أخذ رجال الدين العلويين والشيعة بالتواري وتصدر المشهد سياسيون وعسكريون لكنهم مسيرون من قبل الدينيين، فبعد أن سيطر العلويون على حكم سوريا، اُصطنعت الظروف في لبنان لتسليمها إلى الشيعة، فكانت الحرب الأهلية منذ عام 1975 التي أرادوا من وراءها تفريغ لبنان من أي قوة سنية أو مسيحية، لصالح إفساح المجال للشيعة... 
وخلال هذه الفترة أسس موسى الصدر حركة المحرومين وجناحها المسلح (حركة امل) منذ عام 1975 كأول تنظيم شيعي مسلح في لبنان بواجهة علمانية مسيرة من رجل دين هو موسى الصدر برعاية علوية من قبل حافظ الأسد، وهذا ما صرح به لاحقًا نبيه بري عندما قال: 
« إن حركة امل لم تتسلم شيئًا على الإطلاق من أي إنسان خارج سوريا التي حصلنا منها على السلاح، أخذنا أسلحة ودبابات من سوريا وإمداداتي العسكرية كلها من سوريا، أنا لا أنكر ذلك».
وبعد تأسيس (أمل) بدأت مرحلة احتلال بيروت الغربية ذات الغالبية السنية من قبل الشيعة بتخطيط من الصدر، وعندما زاد الضغط من قبل الشيعة على بيروت الغربية في السنوات التالية، شكى وفد سني من بيروت لحافظ الأسد ما يقوم به الشيعة من استيلاء على الأراضي والممتلكات، فقال لهم إنه هو نفسه كان فلاحًا أطاح بسلطة وجهاء المدن. وعندما دخلت القوات السورية لبنان عام 1976 كانت الأوامر واضحة وصريحة من موسى الصدر للشيعة بأن لا يقف أحد مع الجبهة الوطنية التي يقودها كمال جنبلاط ضد الأسد. 

مرحلة التوحدفي عام 1978 أخرج العراق الخميني من أراضيه فتلقى عرضًا من الأسد أن يقيم في سوريا لكن الخميني آثر فرنسا لغاية في نفسه أو في نفس من وراءه. حدث هذا بعد شهر من مقتل موسى الصدر الذي وقع في 31 اب 1978، وبعد هذا الحدث بستة شهور كان الخميني على متن طائرة فرنسية متوجهة إلى طهران ليكون على قمة السلطة هناك مستفتحًا عصر ولاية الفقيه.
لقد كان كلًا من الأسد والقذافي وأطراف أخرى خفية هي وراء قتل موسى الصدر والهدف هو إفساح المجال للخميني، ذلك أنه في ذلك الوقت كان الصدر أشهر شخصية شيعية وكانت طموحاته تتعدى زعامة شيعة لبنان إلى زعامة الشيعة في العالم، ولم يكن من طريقة لإزاحة الصدر وإفساح المجال للخميني سوى بالتخلص من الصدر وهذا ماكان. وتبع ذلك بعد فترة تفكيك حركة امل لصالح التيار الخميني المتدثر بدثار امل فانشق الخمينيون عن «امل الصدر» وشكلوا «امل الإسلامية» بزعامة حسين الموسوي ثم لم يلبثوا أن غيروا الاسم إلى «حزب الله» الذي أعلنها بلا مواربة انه يتبع ولاية الفقيه الممثلة بآية الله الخميني، كان ذلك عشية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت، وبموافقة من الأسد وتسهيلات منه أدارت السفارة الإيرانية (علي محتشمي) في دمشق حزب الله ومولته ودربته من خلال قوات الحرس الثوري الإيراني التي سمح لها الأسد أن تفتتح معسكرات التدريب للشيعة في البقاع فصار لإيران جيبًا في لبنان وأصبح الحزب الشيعي الخميني ذراعًا لها استطاعت اعتمادًا عليه السيطرة على لبنان وتحويله إلى محمية إيرانية شيعية.
وعلى الجانب الآخر من سوريا من الشرق اندلعت الحرب الإيرانية العراقية مع مقدم الخميني للسلطة، وخلافًا لما تقتضيه مباديء حزب البعث الحاكم في سوريا والعراق من ضرورة مؤازرة الأخ العربي انسجاما مع مباديء حزب البعث فإن الأسد العلوي آثر الخميني الفارسي الشيعي على العربي ولا شك أن العامل العقائدي (الديني) كان أحد العوامل المهمة وراء دعم الخميني وإيران ضد صدام حسين والعراق، ولم يكن دعم الأسد لإيران مقتصرًا على الإعلام بل شارك في الحرب بشكل مباشر فتحولت سوريا إلى ممر للأسلحة السوفيتية المتوجهة إلى إيران، وقاعدة لاستقطاب الشيعة وتدريبهم قبل عبورهم إلى إيران، وتحول الاقتصاد السوري إلى مؤازر للاقتصاد الإيراني، وقيل أن الطائرات السورية شاركت في نهايات الحرب في قصف أهداف عراقية لصالح إيران
وهكذا وبرعاية ومساعدة من الأسد استطاعت إيران الخمينية أن تمد جسرًا إلى قلب العالم العربي لتصبح ركنًا أساسيا فيه، وما فعله الأسد كان نظير ما فعله الشيعي ابن العلقمي عندما اغرى هولاكو باجتياح العراق فانساحت قوات المغول في العالم العربي ناشرة الخراب كما انساح النفوذ الإيراني اليوم معيدًا نفس الخراب.

هيمنة إيرانية وحلف استراتيجي!

إن ما بدأه شيوخ العلويين والشيعة من علاقات وروابط مطلع القرن العشرين أثمر في فترة الثمانينيات والتسعينيات عن حلف استراتيجي بعيد المدى جمع الشيعة ممثلين بإيران وأحزابها المسلحة في المنطقة، والعلويين ممثلين بحكام سوريا، هذا الحلف تحول بعد العام 2000م إلى هيمنة إيرانية على سوريا بموافقة ورضا بشار الأسد بحيث تحولت سوريا إلى محمية إيرانية يتبادل فيها العلويون والشيعة أسباب وجودهم وبقائهم، فبقاء إيران ومشروعها الشيعي الصفوي كقوة ونفوذ في المشرق العربي يرتبط إلى حد بعيد ببقاء العلويين حاكمين ومهيمنين على سوريا، وبقاء العلويين في حكم سوريا يستمد بقاءه من قوة إيران ووجودها، وهذا الوضع موافق عليه أوربيًا وأمريكيًا وإسرائيليًا فأن تُحكم المنطقة بأقليات طائفية هو الوضع الأمثل الذي يضمن أمن إسرائيل ومصالح الغرب الاقتصادية والعسكرية ويبقي المنطقة في حالة توتر دائم يستنزف إمكانياتها ويمنعها من النهوض. يقول «روبرت دريفوس» صاحب كتاب «لعبة الشيطان»: إن إسرائيل ترى الأقليات حلفاء لها مثل الموارنة والدروز والعلويين والشيعة... وهناك دراسات عديدة في مراكز الأبحاث توصي بالتعامل مع الإسلاميين الشيعة لأنهم يمكن الوثوق بهم على خلاف الإسلاميين السنة.. بل يدعو باحثون مثل ريتشارد بيرل ودانييل بليتكا لقيام جمهوريات شيعية في المنطقة ... وتسليم المنطقة للأقليات بصفتهم حلفاء موثوقين هو الاستثمار الذي عملت عليه الدول الاوربية منذ احتلالها للمنطقة وقد أصبح اليوم حقيقة، ولا مجال لإسقاط هذا المشروع إلا بكسر العمود الفقري لإيران (العلويين) أو كسر العمود الفقري للعلويين (إيران).

المصادر: 
رجال الكشي-ص323-طبعة حجرية-مكتبة جامعة كولومبيا.
الموسوعة الشعرية العربية- ديوان الخصيبي –ص 20-مؤسسة محمد بن راشد 2009
ديوان الخصيبي – ص 29
ديوان الخصيبي-ص48
إبراهيم مرهج-شرح ديوان المنتجب-ص172-مخطوط
سيد قطب، العدالة الاجتماعية في الإسلام، دار الشروق، ص 149
الموقع الإلكتروني لمعجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين
إبراهيم مرهج-شرح ديوان المنتجب العاني-ص203-مخطوط
عبد الرحمن الخير-عقيدتنا وواقعنا نحن المسلمين الجعفريين-ص39-ط3-1992
محمد كرد علي-خطط الشام-ج6-ص261-263
إبراهيم سعود-الأدلة النقلية-ص98 وما بعدها-مخطوط
سجلات وزارة الخارجية الفرنسية رقم 3547 تاريخ 15/ 6 / 1936
كثير من المواقع العلوية في الإنترنت نشرت جانبا من المراسلات بين الأحمد ومعاصريه من علماء الشيعة
البعث الشيعي في سوريا-ص27-المعهد الدولي للدراسات السورية
عبد المنعم شفيق-حزب الله رؤية مغايرة-ص24
علي عزيز إبراهيم- العلويون والتشيع- ص1 وما بعدها –الدار الإسلامية-بيروت1992
راجع نص الفتوى عند منير الشريف-المسلمون العلويون من هم وأين هم-ص8-مؤسسة البلاغ-ط1-1994
البعث الشيعي في سوريا-ص33
راجع تفاصيل هذا البيان وأسماء الموقعين عليه والذي قدم له حسن مهدي الشيرازي (منير الشريف-المسلمون العلويون من هم وأين هم-ص7 وما بعدها-ط1)
عبد المنعم شفيق-حزب الله رؤية مغايرة-ص60
نفس المصدر السابق-ص59
البعث الشيعي في سوريا-ص37
نفس المصدر السابق-ص37
مجلة الوطن العربي- العدد 1514-10/3/2006

* باحث سوري متخصص في دراسة تاريخ وعقائد النصيرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق