صيحة في وجه وزارة المعارف
صححوا أكاذيب التاريخ
***********************
للأستاذ سيد قطب
************************
إن تلاميذنا وطلابنا لا يعرفون شيئا حقيقيا عن الأحداث الجارية في وطنهم اليوم، بسبب أنهم لا يعرفون شيئا حقيقيا عن الأحداث الجارية في وطنهم اليوم، بسبب انهم لا يعرفون شيئا حقيقيا عن تاريخ بلادهم، ولا عن الأسباب والملابسات البعيدة، التي عنها نشأت الأحداث الجديدة.
لقد تآمر جماعة من المرتزقة - من مؤلفي كتب التاريخ المدرسية، مع العهود الظالمة الباغية التي أظلت مصر منذ عهد محمد علي، على كتابة تاريخ مزور، يطمس الحقائق ويشوها، وبذلك بقيت طبيعة الفترة ما بين سنتي 1800 - 1950مجهولة لدى جميع الأجيال التي خرجتها المدارس المصرية في ذلك العهد الطويل. والقليلون الذين اطلعوا على مراجع أجنبية لم تمتد إليها يد التزوير المصرية، لم يكونوا يملكون إذاعة الحقائق، لأن سيف الطغيان كان مصلتاً على الرقاب!
لقد كان الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي هو أجرأ من كتبوا عن تاريخ هذه الفترة. ولكن هنالك حقيقتين يجب أن نعرفها:
الحقيقة الأولى: أن الأستاذ الرافعي لم يكن يملك أن يقول كل شيء عن الحكام من أسرة محمد علي؛ لأن هنالك أشياء كان يعاقب عليها القانون لو قيلت. في أي تعبير وعلى أي شكل. ولم يكن يسمح بطبعها ونشرها في أي عهد من العهود.
وأذكر على سبيل المثال أن المؤرخ أحمد شفيق (باشا) كانت له مذكرات من أواخر عهد إسماعيل إلى آخر عهد عباس الثاني. وكنت أشتغل معه في إعداد هذه المذكرات للنشر. وكانت تحتوي على شناعات ليست المخازي الأخيرة لفاروق إلا طرفا منها وامتدادا لها. ففي هذه الأسرة لوثة وشذوذ لا شك فيهما لمن يتتبع تاريخ أفرادها. وكنت أحاول أن أنشر شيئا من الحوادث الكثيرة الواردة بتلك المذكرات الخطية. ولكن القوانين التي سنها الملوثون لحماية أنفسهم وعروشهم كانت تحول بيني وبين هذا. لأن الرجل كان قد ائتمنني على مذكراته، ولم يكن من الأمانة أن أعرضه وهو شيخ كبير للاتهام والمحاكمة! ومرة واحدة حاولت أن أنشر في الجزء الخاص بعباس الثاني، بعض ما حوته المذكرات من وقائع، مما تسمح القوانين القائمة بنشره. ولكن عندما تم طبع هذا الجزء في مطبعة بنك مصر، وقبل توزيعه، اتصل الأمير محمد علي - وكان بعضهم قد أبلغه - بالمشرفين على المطبعة، كما اتصل بالسراي، وبالنائب العام، لوقف صدور هذا الجزء إلا بعد تعديله. وأجبر الرجل المؤرخ على تغيير صفحات كثيرة، واستغرق ذلك مني جهدا جديدا. وبذلك اختفت نهائيا تلك الحقائق والوقائع التي لا يعرفها إلا القليلون.
ولقد رجوت الرجل في أن يودع لدي الأصول الخطية لمذكراته، فقد يجيء اليوم الذي يمكن نشرها فيه، ووعدني بهذا، ثم بدا له خاطر أن يودعها في صناديق مقفلة تحفظ في دار الكتب المصرية إذ ذاك. . ولكن المنية عاجلته قيل أن يفعل. وعلمت مع الأسف أن معظم هذه المخطوطات قد أعدمه أولاه. وأرجو ألا يكون ما بلغني صحيحا.
ولقد كان في وسعي أن أنقل لنفسي بعض هذه المخطوطات. ولكن وقف في وجهي أنني كنت أمينا عليها، وأن الرجل كان واثقا بأمانتي!
والحقيقة الثانية أن الكتب المدرسية التي لا يقرأ معظم المتعلمين غيرها في تاريخ تلك الفترة، هي التي طبعت غالبية العقليات. وهي كتب مزورة كما قلت. ومع هذا فهي لا تزال مقررة في المدارس. وهذه مسالة خطيرة جدا.
لقد تركنا أجيالا من التلاميذ والطلاب في خلال مائة وخمسين عاما مضللة، لا تعرف شيئا حقيقيا عن أخطر مرحلة في تاريخ مصر الحديث، بل في تاريخ الشرق كله.
تركنا هذه الأجيال كلها تفهم أن محمد علي أوجد مصر الحديثة من العدم. ولم يكن هذا صحيحا؛ فمصر كانت قبل محمد علي أقوى بكثير في جوانب شتى. ويكفي أن نعرف أن الفرنسيين عندما استولوا على مصر خاضوا مع الشعب معارك كثيرة وفي كل مكان قبل أن تخضع مصر لهم؛ وظلت الثورات الشعبية تهددهم طوال مدة إقامتهم. وكان ذلك قبل استيلاء هذه الأسرة الملوثة الشاذة على مقاليد الحكم في البلاد. بينما الإنجليز وجدوا الطريق أمامهم مفتوحة بعد نصف قرن فقط، ولم يجدوا مقاومة شعبية تذكر؛ لأن طغيان هذه الأسرة كان قد حطم كبرياء الشعب وروحه المعنوية في أوائل عهد توفيق!
تركنا هذه الأجيال كلها تفهم أن تحطيم محمد علي للحركة الوهابية في الجزيرة العربية كان عملا عظيما. وهو في حقيقته كان جناية تاريخية على النهضة الإسلامية التي كان يمكن أن تبكر مائة عام عن موعدها، لو تركت هذه الحركة تمضي في طريقها، وتبلغ أهدافها في ذلك الحين.
تركنا هذه الأجيال كلها تفهم أن ثورة المهدي في السودان كانت عملا عدائيا بالنسبة لمصر، وأن مصر ردت هذا العمل العدائي وحطمت المهدي وثورته. والحقيقة أن ثورة المهدي في السودان كانت ضد الحكم الإنجليزي في مصر وضد الحكام الخاضعين للاحتلال. وكان هدفها تطهير الوادي من الاحتلال الأجنبي وسيطرة الفكرة الإسلامية على الوادي كله. وكان القضاء عليها هو الخيانة الوطنية التي ارتكبتها حكومة مصر تحت ضغط الاحتلال؛ ثم ظلت هذه ثغرة بين شطري الوادي؛ كما أراد لها الاستعمار أن تكون!
تركنا هذا الأجيال تفهم أن إسماعيل كان حاكما عظيما وأنه أحد بناة الدولة العظام؛ وسترنا فصائحه التي لا تقاس إليها فضائح فاروق نفسه؛ وسترنا الكوارث التي جرها على الوطن والشعب؛ وتركنا الآلام التي جرعها لشعب مصر في حياته وبعد مماته، وسميناه ساكن الجنان! وسميناه المغفور له! والله يعلم أين مثواه ومثوى آبائه الأولين!
ولقد آن أن نصحح التاريخ الذي زوره المزورون على هذه الأجيال الكثيرة. آن أن نعرف من هو محمد علي على حقيقته. وما هو الشذوذ الكامن في شخصيته، والذي ورثه أبناءه من بعده. وهو شذوذ واضح كتب عنه الكثيرون، ولكنه كان محظورا على الشباب أن يعرفوه!
آن أن نعرف من هو إسماعيل على حقيقته ما هو الشذوذ الكامن في شخصيته، والذي ورثه أبناءه من بعده، وهو شذوذ واضح، كتب عنه الكثيرون، ولكنه كان محظوراً على الشباب أن يعرفوه!
نعم آن لنا أن نصحح كتابة التاريخ الذي تدرسه الأجيال المقبلة، وكفانا تزويرا وتضليلا، فعلى أساس هذا التزوير والتضليل قامت تلك القداسة المصطنعة لمحمد علي وأسرته. هذه الأسرة التي لم تبتل مصر بشر منها ومن حكمها في خلال مائة وثلاثين عاما.
نعم آن أن تتحرر الأجيال المقبلة من خرافة (الأسرة المحمدية العلوية) التي أوجدت مصر من العدم. ولم يبق إلا أن يقال: إنها هي التي حفرت مجرى النيل، وردمت الدلتا بالطمى،وخلقت وادي النيل!
سيد قطب
صححوا أكاذيب التاريخ
***********************
للأستاذ سيد قطب
************************
إن تلاميذنا وطلابنا لا يعرفون شيئا حقيقيا عن الأحداث الجارية في وطنهم اليوم، بسبب أنهم لا يعرفون شيئا حقيقيا عن الأحداث الجارية في وطنهم اليوم، بسبب انهم لا يعرفون شيئا حقيقيا عن تاريخ بلادهم، ولا عن الأسباب والملابسات البعيدة، التي عنها نشأت الأحداث الجديدة.
لقد تآمر جماعة من المرتزقة - من مؤلفي كتب التاريخ المدرسية، مع العهود الظالمة الباغية التي أظلت مصر منذ عهد محمد علي، على كتابة تاريخ مزور، يطمس الحقائق ويشوها، وبذلك بقيت طبيعة الفترة ما بين سنتي 1800 - 1950مجهولة لدى جميع الأجيال التي خرجتها المدارس المصرية في ذلك العهد الطويل. والقليلون الذين اطلعوا على مراجع أجنبية لم تمتد إليها يد التزوير المصرية، لم يكونوا يملكون إذاعة الحقائق، لأن سيف الطغيان كان مصلتاً على الرقاب!
لقد كان الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي هو أجرأ من كتبوا عن تاريخ هذه الفترة. ولكن هنالك حقيقتين يجب أن نعرفها:
الحقيقة الأولى: أن الأستاذ الرافعي لم يكن يملك أن يقول كل شيء عن الحكام من أسرة محمد علي؛ لأن هنالك أشياء كان يعاقب عليها القانون لو قيلت. في أي تعبير وعلى أي شكل. ولم يكن يسمح بطبعها ونشرها في أي عهد من العهود.
وأذكر على سبيل المثال أن المؤرخ أحمد شفيق (باشا) كانت له مذكرات من أواخر عهد إسماعيل إلى آخر عهد عباس الثاني. وكنت أشتغل معه في إعداد هذه المذكرات للنشر. وكانت تحتوي على شناعات ليست المخازي الأخيرة لفاروق إلا طرفا منها وامتدادا لها. ففي هذه الأسرة لوثة وشذوذ لا شك فيهما لمن يتتبع تاريخ أفرادها. وكنت أحاول أن أنشر شيئا من الحوادث الكثيرة الواردة بتلك المذكرات الخطية. ولكن القوانين التي سنها الملوثون لحماية أنفسهم وعروشهم كانت تحول بيني وبين هذا. لأن الرجل كان قد ائتمنني على مذكراته، ولم يكن من الأمانة أن أعرضه وهو شيخ كبير للاتهام والمحاكمة! ومرة واحدة حاولت أن أنشر في الجزء الخاص بعباس الثاني، بعض ما حوته المذكرات من وقائع، مما تسمح القوانين القائمة بنشره. ولكن عندما تم طبع هذا الجزء في مطبعة بنك مصر، وقبل توزيعه، اتصل الأمير محمد علي - وكان بعضهم قد أبلغه - بالمشرفين على المطبعة، كما اتصل بالسراي، وبالنائب العام، لوقف صدور هذا الجزء إلا بعد تعديله. وأجبر الرجل المؤرخ على تغيير صفحات كثيرة، واستغرق ذلك مني جهدا جديدا. وبذلك اختفت نهائيا تلك الحقائق والوقائع التي لا يعرفها إلا القليلون.
ولقد رجوت الرجل في أن يودع لدي الأصول الخطية لمذكراته، فقد يجيء اليوم الذي يمكن نشرها فيه، ووعدني بهذا، ثم بدا له خاطر أن يودعها في صناديق مقفلة تحفظ في دار الكتب المصرية إذ ذاك. . ولكن المنية عاجلته قيل أن يفعل. وعلمت مع الأسف أن معظم هذه المخطوطات قد أعدمه أولاه. وأرجو ألا يكون ما بلغني صحيحا.
ولقد كان في وسعي أن أنقل لنفسي بعض هذه المخطوطات. ولكن وقف في وجهي أنني كنت أمينا عليها، وأن الرجل كان واثقا بأمانتي!
والحقيقة الثانية أن الكتب المدرسية التي لا يقرأ معظم المتعلمين غيرها في تاريخ تلك الفترة، هي التي طبعت غالبية العقليات. وهي كتب مزورة كما قلت. ومع هذا فهي لا تزال مقررة في المدارس. وهذه مسالة خطيرة جدا.
لقد تركنا أجيالا من التلاميذ والطلاب في خلال مائة وخمسين عاما مضللة، لا تعرف شيئا حقيقيا عن أخطر مرحلة في تاريخ مصر الحديث، بل في تاريخ الشرق كله.
تركنا هذه الأجيال كلها تفهم أن محمد علي أوجد مصر الحديثة من العدم. ولم يكن هذا صحيحا؛ فمصر كانت قبل محمد علي أقوى بكثير في جوانب شتى. ويكفي أن نعرف أن الفرنسيين عندما استولوا على مصر خاضوا مع الشعب معارك كثيرة وفي كل مكان قبل أن تخضع مصر لهم؛ وظلت الثورات الشعبية تهددهم طوال مدة إقامتهم. وكان ذلك قبل استيلاء هذه الأسرة الملوثة الشاذة على مقاليد الحكم في البلاد. بينما الإنجليز وجدوا الطريق أمامهم مفتوحة بعد نصف قرن فقط، ولم يجدوا مقاومة شعبية تذكر؛ لأن طغيان هذه الأسرة كان قد حطم كبرياء الشعب وروحه المعنوية في أوائل عهد توفيق!
تركنا هذه الأجيال كلها تفهم أن تحطيم محمد علي للحركة الوهابية في الجزيرة العربية كان عملا عظيما. وهو في حقيقته كان جناية تاريخية على النهضة الإسلامية التي كان يمكن أن تبكر مائة عام عن موعدها، لو تركت هذه الحركة تمضي في طريقها، وتبلغ أهدافها في ذلك الحين.
تركنا هذه الأجيال كلها تفهم أن ثورة المهدي في السودان كانت عملا عدائيا بالنسبة لمصر، وأن مصر ردت هذا العمل العدائي وحطمت المهدي وثورته. والحقيقة أن ثورة المهدي في السودان كانت ضد الحكم الإنجليزي في مصر وضد الحكام الخاضعين للاحتلال. وكان هدفها تطهير الوادي من الاحتلال الأجنبي وسيطرة الفكرة الإسلامية على الوادي كله. وكان القضاء عليها هو الخيانة الوطنية التي ارتكبتها حكومة مصر تحت ضغط الاحتلال؛ ثم ظلت هذه ثغرة بين شطري الوادي؛ كما أراد لها الاستعمار أن تكون!
تركنا هذا الأجيال تفهم أن إسماعيل كان حاكما عظيما وأنه أحد بناة الدولة العظام؛ وسترنا فصائحه التي لا تقاس إليها فضائح فاروق نفسه؛ وسترنا الكوارث التي جرها على الوطن والشعب؛ وتركنا الآلام التي جرعها لشعب مصر في حياته وبعد مماته، وسميناه ساكن الجنان! وسميناه المغفور له! والله يعلم أين مثواه ومثوى آبائه الأولين!
ولقد آن أن نصحح التاريخ الذي زوره المزورون على هذه الأجيال الكثيرة. آن أن نعرف من هو محمد علي على حقيقته. وما هو الشذوذ الكامن في شخصيته، والذي ورثه أبناءه من بعده. وهو شذوذ واضح كتب عنه الكثيرون، ولكنه كان محظورا على الشباب أن يعرفوه!
آن أن نعرف من هو إسماعيل على حقيقته ما هو الشذوذ الكامن في شخصيته، والذي ورثه أبناءه من بعده، وهو شذوذ واضح، كتب عنه الكثيرون، ولكنه كان محظوراً على الشباب أن يعرفوه!
نعم آن لنا أن نصحح كتابة التاريخ الذي تدرسه الأجيال المقبلة، وكفانا تزويرا وتضليلا، فعلى أساس هذا التزوير والتضليل قامت تلك القداسة المصطنعة لمحمد علي وأسرته. هذه الأسرة التي لم تبتل مصر بشر منها ومن حكمها في خلال مائة وثلاثين عاما.
نعم آن أن تتحرر الأجيال المقبلة من خرافة (الأسرة المحمدية العلوية) التي أوجدت مصر من العدم. ولم يبق إلا أن يقال: إنها هي التي حفرت مجرى النيل، وردمت الدلتا بالطمى،وخلقت وادي النيل!
سيد قطب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق