بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 يناير 2016

الجبرتى ------------ ومحمد على الكلب الصليبى
أظهر الجبرتي -رحمه الله- ألمه وتأسفه لما وصل إليه حال الكفار، والمكانة التي تبوءوها في عهد محمد علي وأنهم صاروا أعيان الناس، ويتقلدون المناصب الرفيعة ويلبسون ثياب الأكابر، ويركبون البغال والخيول المسومة والراهوانات وأمامهم وخلفهم العبيد والخدم، وبأيديهم العصي يطردون الناس ويفرجون لهم الطرق (3)، ويتسرون بالجواري بيضًا وحبوشًا، ويسكنون المساكن العالية الجليله يشترونها بأغلى الأثمان.
ومنهم من له دار بالمدينة ودار مطلة على البحر للنزهة، ومنهم من عمر له دارًا، وصرف عليها ألوفًا من الأكياس، وكذلك أكابر الدولة لاستيلاء كل
من في خطه على جميع دورها، وأخذها من أربابها بأي وجه، وتوصلوا بتقليدهم مناصب البدع (1) إلى إذلال المسلمين؛ لأنهم يحتاجون إلى كتبة وخدم وأعوان والتحكم في أهل الحرفة بالضرب والشتم والحبس من غير إنكار، ويقف الشريف والعامي بين يدي الكافر ذليلاً (2).
ومن البديهي بعد أن قد أحاط محمد علي نفسه ببطانة من اليهود والنصارى، أن يعتمد عليهم كثيرًا، وأن يسند إليهم عددًا كبيرًا من المناصب الهامة في الدولة، ومع ذلك فلولا خوفه وخشيته من إثارة المسلمين وتألبهم عليه لاعتمد عليهم بالكلية ولأسند إليهم جميع المسئوليات والناصب دون مواراة.
وهذا ما عبر عنه محمد علي بنفسه حين هلك كاتب الخزينة في عهده وكان رجلاً نصرانيًّا يدعى عبود النصراني، وكان محمد علي يحبه ويثق فيه ويقول عنه: لولا الملامة لقلدته الدفتردارية (3).
والملامة التي كان يخشاها محمد علي هي جزء من بقايا هذه العقيدة الطيبة في نفوس المسلمين من بغض للكفار ومعاداتهم تجعل الباشا المفتون بهؤلاء الكفار يتوقف بعض الشيء في ولائه السافر لهم، وفي نقل خطوات مسيرته التغريبية بالأمة (4).
ومع ذلك فإن هؤلاء الكفار كانوا يشكلون مراكز الثقل في دولة محمد علي، وخصوصًا في المجالات المهمة كالشئون المالية والتعليمية والعسكرية،
ولئن كان الدفتردار ليس واحدًا منهم (1). فإن جميع الوظائف المالية الأخرى تقريبًا قد احتكرها النصارى وغيرهم. فقد مر معنا أن كاتب الخزينة كان نصرانيًّا، وكذلك فإن جميع الكتبة والصيارفة كانوا من النصارى أيضًا.
أما وزارة الخارجية فطبيعي جدًا أن تكون من نصيب النصارى حيث العلاقات كانت قائمة على أشدها مع الدول الأوربية وقد أسند هذا المنصب الهام إلى وزير أرمني يدعى باغوص بك الأرمني (2).
أما إدارة الجمارك وهي من الوظائف المهمة فقد كان يرأسها رجل نصراني له أعوان وجند كما يقول الجبرتي يحجزون أمتعة الناس، ويقبضون على المسلمين، ويسجنونهم، ويضربونهم حتى يدفعوا ما عليهم، ومن العجب على حد قوله أن بضائع المسلمين يؤخذ عشرها وبضائع الإفرنج والنصارى ومن ينتسب إليهم يؤخذ عليها من المائة اثنان ونصف (3).
وما دام أن رئيس الجمارك نصراني حقود فلا نعجب بعد ذلك من التفاوت المذهل في أخذ الرسوم على الواردات من البضائع بين المسلمين وغيرهم. حيث يؤخذ على المسلمين من الرسوم أربعة أضعاف ما يؤخذ على غيرهم من كفار العالم.
5. 2% إلى 10% تفاوت ظالم، وربما كان ذلك تأليفًا للوافدين من التجار كما فعل الباي!! وعلى أي حال فلا يعدو ذلك المثال عن كونه واحدًا من الأمثلة الصارخة على استهانة محمد علي بعقيدة الولاء والبراء وعدم
تقديره لها.
وقد أصبحت مصر في عهد محمد علي وبالذات القاهرة محط نزول الكافرين من كل جنس، وذلك باستدعائه لكثير منهم، وفتحه المجال أمام استثماراتهم وتجاراتهم، مما جعل البلد تضيق بالسكان، وتغص بالقادمين من الكفار الذين ضايقوا المسلمين في معايشهم حتى إن الإنسان ليقاسي الشدة والهول إذا مر بالشارع من الازدحام الشديد، وبالإضافة إلى طوائف اليهود والنصارى فقد استدعى أعدادًا غفيرة من الدروز والمتاولة والنصيرية وغيرهم من الفرق الخارجة عن الإسلام (1)
وحق لمدينة مثل القاهرة التي لم يكن يتجاوز طولها في ذلك الوقت الخمسة كيلو مترات أن تكتظ بهؤلاء الكافرين الذين تسابقوا إليها من كل حدب وصوب.
وفي تلك الفترة التي نقوم بدراستها كانت تكثر الاضطرابات، وتشيع الفتن والمصادمات، خصوصًا بسبب ثورات العسكر المتلاحقة لقطع المرتبات وغير ذلك، وكان الشعب هو الضحية لتلك الثورات المحمومة.
وفي إحدى تلك الثورات العسكرية التي نهبت فيها الأسواق، وحطمت خلالها الحوانيت. أراد المسلمون في أثنائها أن يحصنوا بعض الحارات النافذة ويقوموا بإغلاقها حتى يقطعوا الطريق على جموع العساكر الهائجة ولكن كتخدا الباشا (2) منعهم من ذلك، في نفس الوقت الذي كان محمد علي يمد فيه النصارى بالبارود وآلات الحرب، بعد أن أتموا تحصين جهاتهم على أكمل وجه (3)، وهذه الواقعة تغني عن أي تعليق، وتدل على مدى العلاقة المريبة
في الخفاء بين محمد علي ونائبه من جانب وبين النصارى من جانب آخر.
وحين قام محمد علي بإجراء واسع النطاق لهدم الدور والمساكن التي بها شيء من الخلل، كانوا يأمرون صاحب البيت الذي تم الكشف عليه بهدمه ثم تعميره، وإن كان يعجز عن ذلك فإنه يؤمر بإخلائه، ويعاد بناؤه على طرف الميري (1) وتصير من حقوق الدولة فهدمت مئات الدور التي كان يملكها أو يسكنها المسلمون.
أما النصارى فلنستمع إلى كلمة الجبرتي في ذلك حيث قال: وأما نصارى الأرمن وما أدراك ما نصارى الأرمن الذين هم أخصاء الدولة الآن فإنهم أنشؤوا دورًا وقصورًا وبساتين بمصر القديمة .. فهم يهدمون أيضًا وينقلون لأبنيتهم ما شاءوا ولا حرج عليهم، وإنما الحرج والمنع والحجر والهدم على المسلمين من أهل البلدة فقط (2).
وعندما تولى الحسبة رجل يدعى مصطفى كاشف أراد أن يعيد الكفار إلى حالتهم التي كانوا عليها قبل مجيء محمد علي إلى سدة الحكم، فأمر مناديه بمصر القديمة أن ينادي على نصارى الأرمن والأروام والشوام بإخلاء البيوت التي عمروها وزخرفوها وسكنوا بها والمطلة على النيل، وأن يعودوا إلى زيهم الأول من لبس العمائم الزرق، وعدم ركوبهم الخيول والبغال
________________________________________
والراهوانات الفارهة واستخدامهم المسلمين.
ولكن محمد علي قطع الطريق على هذا الإصلاح، وأمر بكف هذا المحتسب بعد أن تم زجره وتأنيبه، وذلك بعد أن تقدم أعاظمهم إليه بالشكوى وهو يراعي جانبهم لأنهم صاروا أخصاء الدولة وجلساء الحضرة وندماء الصحبة كما يقول الجبرتي (1).
ويمتد حبل الموالاة والمودة للكافرين في عهد محمد علي إلى شيء آخر له خطورته البالغة، وهو فتحه البلاد على مصراعيها لأفواج النصارى الصليبيين للبحث والتنقيب، واكتشاف الآثار،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق