بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 29 أبريل 2015

اوجه الشبه والاختلاف بين الحاكم بأمر الله وبين العسكر
الحاكم بأمر الله خامس الحكام الفاطميين هو أبو علي المنصور بن العزيز بالله بن المعز لدين الله الفاطمي لقب بالحاكم بأمر الله، ولد سنة 375هـ تولى الملك بعد موت أبيه في رمضان سنة 386هـ، وعمره إحدى عشرة سنة. !اشتغل بعلوم الأوائل، اهتم بعلم النجوم أنشأ مرصدا واتخذ بيتا بالمقطم يعتزل فيه عن الناس ويخلو لمخاطبة الكواكب. و يركب الحمار وعليه ثياب الرهبان ووراءه غلام اسمه مفلح يحمل الدواة والسيف والورق في كيس معلّق في كتفه ، فإذا مرّ بسوق فرّ الناس واستتروا عنه،كان مهاباً عند أهل مصر لا يحضر مجالس الجدل ويحتجب أياما كثيرة. شخصية غريبة متناقضة، تصرفاته تثير أكثر من تساؤل، أساتذته يهودٌ ونصارى ومسلمون، أمه نصرانية، ووسط هذه العوامل المتنافرة تشكّلت شخصيته العبثية الظالمة المستهترة،التي انعكست سلبا على سكان مصر الفاطمية!! ، بدت عليه علامات جنون وتناقض، حبّ للدّين، بناء مدارس، إكرام علماء التفوا حوله وأحبوه ، وفجأة أمر بهدم المدارس، وأبطل صلاة العيدين والجمعة، وقتل معلميه ، ثم أمر بسبّ الصحابة وكتابة ذلك على جدران المساجد والشوارع، فرض العمل ليلاً والنوم نهاراً، أمر بتحويل ليل القاهرة إلى نهار، فأشعِلت المصابيح لتتم المعاملات في الليل، وقد نجم عن ذلك انتشار الفساد،وما لبث أن ألغى هذا الأمر، وعاد الظلام تارة أخرى ، سبى النساء واضطر الرجال أن يفتدوا نساءهم منه ومن ملئه، منع الغناء وحرّم أكل الملوخية والزبيب والجرجير، والسمك الذي لا قشر له ،وحرم ذبح العجول، وأمر بقتل الكلاب، حظر على النساء الخروج من بيوتهن،واتخذ من الخطوات ما يكفل تنفيذ سياسته الرعناء كمنع بناء شرفات للبيوت كيما لا تطل منها النساء،ولا ينشرن عليهاالغسيل ، وحظر على صانعي الأحذية صناعة أحذية للنساء ، سمح للباعة بحمل البضائع وبيعها للنساء في بيوتهن من وراء حجاب. كان ماكراً ، سيء الاعتقاد ، سفاكاً للدماء ، قتل عدداً كبيراً من كبارالقوم ، عجيب السيرة يطرح أموراً غريبة، منها أنه أمرالنصارى أن تحمل في أعناقها الصلبان،واليهود أن يحملوا في أعناقهم قطعا من الخشب ، وأن يلبسوا العمائم السوداء!! في فترة حكمه بينما كان الحاكم بأمر الله في نظر الملأ، غايةالبصائر والطريق المؤدية إلى الحقيقة، يرعى ويحمي ، بني الجوامع، ادّعى الألوهية، وصدّقه البعض. شجع على سبّ الصحابة- رضوان الله عليهم.عمّم ذلك على الأقاليم، ثم أقلع عن ذلك وصار يجلد ثمّ قتل الفقيه (أبو بكر الانطاكي) وجمعا من أهل السنّة ،عبثا دونما مبرر يقتضي ذلك ، فَعَلَ ذلك في يوم واحد ، أغلق دور العلم ، منع الناس من تناول الملوخية أكلة معاوية بن أبي سفيان المفضَّلة، ومنعهم من أكل الجرجير المنسوب إلى السيدة عائشة، ومنع عجن الدقيق بالأقدام وضرب في الطرقات والأسواق بالأجراس، ونُودي أن لا يدخل أحد الحمام إلاّ بمئزر ، ولا تكشف امراة وجهها في طريق، ولا خلف جنازة ولا تتبرج ، ولا يباع شيء من السمك بغير قشر ولا يصطاده أحد ، ومن غرائبه أنه كان دائماً يفتك بوزرائه ويقتلهم شر قتلة، يُعيّن أحدهم في منصب ثم يقتله ويعين غيره، قتل من العلماء والكتاب ووجوه القوم ما لا يحصى. كانت للحاكم تصرفات غريبة غير مفهومة، لبس الصوف سبع سنين وامتنع عن دخول الحمام وأقام سنين يجلس في ضوء الشمع ليلاً ونهاراً ثم عنَّ له أن يجلس في الظلام ففعل.
ومن تناقضاته أنه يأمر بسب الصحابة وبكتابة ذلك في المساجد، ثم يأمر به أن يُمحى. وقد بنى المساجد الكثيرة ثم منع صلاة التراويح عشر سنين ثم أباحها وأراق خمسة آلاف جرة من العسل في البحر خوفاً أن تُصنع نبيذاً، ومنع النساء الخروج من بيوتهن، أمر بقتل الكلاب كلها ثم عاد فمنع ذلك، وهكذا حياته مليئة بالمتناقضات والتصرفات المجانبة للصواب ثم أجاب عن كل ذلك بتأويلات باطنية.
يقول السيوطي:(إن الحاكم أمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفاً إعظاماً لذكره واحتراماً لاسمه، فكان يفعل ذلك في جميع ممالكه بمصر والشام والحجاز،وإذا قام خرّ أهل مصر سجداً ويُسجد بسجودهم في الأسواق والأماكن العامة ، كان جباراً عنيداً وشيطاناً مريداً كثير التلون في أقواله وأفعاله،يمارس الحسبة بنفسه، يدور في الأسواق ولا يركب إلا حماراً،فإذا وجد غاشًّا عاقبه بصرامة، قُدّر عدد ضحايا الحاكم بثمانية عشر ألف نفس من مختلف الفئات.
ومما يروى عن تخويفه الناس أنهم وفدوا من وسط القاهرة يُقَبّلون الأرض حتى وصلوا إلى القصر، فوقفوا على بابه يتضرعون ويسألون الصفح عنهم ورفعوا إليه ورقة يلتمسون فيها العفو. فاستجاب لهم وأمرهم بالانصراف والقدوم صباحا لتلقي سجلّ العفو والأمان لكل الطبقات.
إنها حالة من حالات الحاكم وبطشه واستهانته،إذ صار الناس يطلبون العفو دونما جرم فعلوه ولعل ذلك كان تمهيداً لدعوى الألوهية.
جاء في كتاب الأمان الذي وجهه لأهل مصر:(هذا كتاب عبد الله ووليه المنصور أبو علي الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين، إنكم من الآمنين بأمان الله الملك الحق المبين، وأمان جدنا محمد خاتم النبيين وأبينا عليّ خير الوصيين، وآبائنا الذرية النبوية المهديين صلى الله على الرسول ووصيه وعليهم أجمعين، وأمان أمير المؤمنين على النفس والحال والدم والمال لاخوف عليكم ولا تمد يَدٌ بسوء إليكم إلا في حدّّ يقام بواجبه وحق يؤخذ بمستوجبه فيوثق بذلك) حيّرت العلماءَ مواقفُ الحاكم واختلفت كلمتهم حوله ، رفعه قوم إلى درجة الألوهية ، واعتقد قوم أنه إمام المسلمين وخليفة رب العالمين ، وذهب أكثر المؤرخين إلى أنه كان مريضاً في عقله يأتي أعمالا تضحك الثكالى، ، يبدو أن من الصعوبة بمكان الأخذ بمسألة جنون الحاكم،إذ لا يُعقل أن يمكث مجنون ربع قرن من الزمان حاكما مصر والشام والحجاز.
نشأ سلوك الحاكم عن تأثير فكرة الألوهية، و ما صدر عنه من أعمال وأقوال كانت بدافع واحد هو تأليهه، إذ تولى الحكم صغيرا ، و أحيط بهالة من التعظيم، إضافة إلى مازيّنه له بعض زعماء المجوسية من الجرأة بعد أن قربهم إليه.
و بعض الكتاب المعاصرين يدافعون عن الحاكم وتصرفاته متهمين المؤرخين بالتحامل على تاريخه ، فما كان إلا مفكراً مخلصاً لوطنه وحاكماً بارعاً كما يزعمون .
هذا الدفاع عن الحاكم زور يكفي لدحضه ما أجمع عليه العلماء من تاريخ ذلك الحاكم الضّالّ الذي كان دعاته يقولون إذا ركب: السلام عليك يا واحد يا أحد!!، ويغلون فيه غلوا شديدا. تنوعت ضحاياه بين وزير وكاتب وقاض وطبيب وشاعر ونحوي ومغنّ وطباخ وابن عم وصاحب حرب ويهودي ونصراني، كما قطع أيدي الجواري في قصره و في زمن أبيه عرف أقواما يطعنون في الدولة الفاطمية فلما صار إليه الحكم انتقم منهم وعاقبهم .
نشرالقتل والغيلة فشمل الوزراء وأعيان الدولة، يُسحل القتيل في الأسواق، ومن حوله صوفية يرقصون بين يديه مقابل أجرة.
يقول الدكتور محمد كامل حسين : إنه قُتل ضمن مؤامرة يهودية بسبب اضطهاده اليهود ، ويرى أن هذا هو القول الصواب وما عداه لا صحة له .
يذهب الدكتور محمد أحمد الخطيب إلى أن الحاكم قتل بسبب مؤامرة باطنية بسبب ما أفشاه من مذهبهم الباطني السري، يذكر المقريزي أن الحاكم قتله شخص اعترف بذلك ، فهو يرى قتل الحاكم مؤامرة معدة بإحكام من قبل سلطات الدولة الرسمية وبمباركة دعاة الإسماعيليين.
ومهما قيل فقد كان اختفاء الحاكم فرصة لإذكاء دعوى أن الحاكم سيعود قريباً ، ليملك الأرض وينشر العدل ، وإذا كان ما ذكره الخطيب صواباً فلا يُستبعد التواطؤ على إخفاء موته وجثته عن الناس ليتم تنفيذ بقية المخطط .
وهكذا كانت عقيدة غيبة الحاكم وقرب عودته مثاراً لظهور عدة أشخاص يدعون بأنهم الحاكم بأمر الله، مما يذكر بعقيدة المهدي المنتظر، فكم من أفرادٍ ادّعَوا ذلك! .
أشار عليه أحد الزنادقة بإحضار جسد الرسول الكريم إلى مصر، لجذب الناس إليها، بدلاً من المدينة وانتشرت الخرافات والأباطيل التي مايزال المسلمون يعانون منها حتى اليوم .
أعلن أن السرقة لا تجوزفي عهده،وتحت مسحة معرفته الغيب وذكائه المفرط تعهد لكل من يُسرق له شيء أن يرده ،وطلب من التجار ترك محلاتهم مفتوحة طوال الليل، وأوعز إلى اللصوص بسرقةالمحلات،لما جاءه أصحاب المحلات شاكِين قال: اذهبوا إلى أبي الهول يخبركم بما تريدون، و قد أمر بصنع تمثال من النحاس على صورة أبي الهول ،وضع فيه رجلا يعرف أسماء اللصوص، ومن سُرقت محلاتهم فإذا جاء أحدهم وقصّ قصته أجابه الرجل من داخل الصنم: أن اذهب إلى بيت فلان تجد حاجتك. أمر بشنق اللصوص فلم تعد هناك سرقات ولا تعديات على وهم أن الحاكم يعلم الغيب، وذات ليلة ركب حماره،وقد اعتاد أن يكون ظهره إلى رأس الحمار واسمه (القمر)، وتوجه إلى جبل المقطّم ليراقب النجوم.. أرسلتْ أخته مَنْ قتله، وأذاعت أن أخاها سيغيب أياماً،عُثر على جثته دون أن يُعرَف القاتل.. ادّعى أتباعه أنه صعد إلى السماء،وانتشروا يبشرون بألوهية الحاكم بأمرالله الفاطميّ.اللافت للنظر أن مصر التي أريد لها أن تكون معقل شطحات الحاكم بأمر الله، سرعان ما ألقت الخرافات جانبا، وغدا السمك والملوخية والجرجير والزبيب من أحب الأطعمة إلى أهل مصر،واندثرت الترهات بهلاك دعيّ الألوهية الحاكم بأمرالله الفاطمي،وهلاك ملئه وأشياعه ،فكم من العجائبِ والغرائبِ الرّخيصةِ تُسَوّقُ ويُرَوّجُ لها في عَصْرِ المُلُوخِيّة؟!!. والحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق